لماذا أعدموني ؟
سيد قطب
مقدمة الناشر
نرجو أن لا يتبادر إلى الذهن أن هذه الوثيقة التي كتبها شهيد الإسلام ( سيد قطب ) كاملة غير منقوصة .
هذه الوثيقة التي أخذنا لها عنوانا هو ( لماذا أعدموني ؟ ) قد مرت على أيد كثيرة ابتداءا من المحققين وغير المحققين من الذين عذبوا الشهيد ورفاقه، وانتهاء بكبار المسؤولين في الدولة وأذنابهم.
هذه الوثيقة هي ولا شك بخط الشهيد سيد قطب، ولكننا يجب أن نقول بشأن هذه الوثيقة أنها كتبت بطلب من المحققين الذين كانوا يستجوبون الشهيد ورفاقه، ولهذا جاءت وكأنها إجابات لأسئلة محددة أو سؤال واحد عام .
عندما نشرت " المسلمون " هذه الوثيقة على حلقات ابتداءا من عددها الثاني، تباينت ردود فعل المهتمين بالشهيد سيد قطب، فمنهم من قال أنها مزورة، وأكثرهم جزم بصحتها .
من ناحيتنا نحن فإننا نؤكد أن هذه الوثيقة أو الشهادة وهي الإجابة الكاملة على سؤال المحققين قد وصلتنا بخط يد الشهيد، ونؤكد في نفس الوقت أنها ناقصة غير كاملة، فقد حرص أذناب نظام الطاغية على الاحتفاظ في مكان غير معروف وعند شخص معروف بالجزء الخاص بالتعذيب الذي تعرض له الشهيد سيد قطب ورفاقه، ظنا منهم أن خلوّ الوثيقة أو الشهادة من تلك الصفحات السوداء سيبّض وجوه الطغاة وأذنابهم، الذين لم يتركوا وسيلة عرفوها لتعذيب الشهيد سيد قطب إلا واستعملوها.
ولكن هل نجحوا في التأثير على روح الشهيد وضميره ؟
أبدا ! إنهم تمكنوا من جسده الفاني، أما روحه فلم يقدروا أبدا عليها، ولذلك أعدموه .
نعم .. لذلك أعدموه، بالرغم من النداءات التي وجهت في ذلك الوقت من قادة المسلمين وعلمائهم بعدم اعدامه .
كيف لا يعدموه ؟
أيتركوا جسده شاهدا على وحشيتهم
====================================================
يقول رفاق الشهيد سيد قطب في السجن قبل إعدامه أنهم عذبوه عذابا شديدا، وشوهوا جسده ووجهه يريدون بذلك الوصول إلى روحه ليتمكنوا منها .
ولكن الله سبحانه وتعالى لم يمكنهم من روحه، وأبلغ دليل على ذلك هو إعدامهم لصاحب ( في ظلال القرآن ) .
رحم الله الشهيد سيد قطب وأجزل له الثواب على كل ما قدمه للإسلام والمسلمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
هشام ومحمد علي حافظ
=====
تقريــر وبيــان
مقدمة مختصرة
لقد كتبت بياناً مجملاً قبل هذا تنقصه تفصيلات كثيرة، كما تنقصه وقائع وبيانات كثيرة. ولقد أسىء فهم موقفي وتقدير دوافعي في كتابه ذلك البيان على ذلك النحو. وأرجو أن يكون في هذا التقرير الجديد المفصل ما يفي بالمطلوب وما يجعل موقفي مفهوماً على حقيقته.
والله يعلم أنني لم أكن حريصاً على نفسي ولا قصدت تخليص شخصي بذلك الإجمال. ولكنني – ويجب أن أعترف بذلك – كنت أحاول أولاً وقبل كل شيء حماية مجموعة من الشباب الذي عمل معي في هذه الحركة بقدر ما أملك لاعتقادي أن هذا الشباب من خيرة من تحمل الأرض في هذا الجيل كله، وأنه ذخيرة للإسلام وللإنسانية حرام أن تبدد وتهدر. وإنني مطالب أمام الله أن أبذل ما أملك لنجاتهم، وإن ذلك البيان المجمل الذي لا يحتوي كل التفاصيل الدقيقة هو كل ما أملكه في الظرف الحاضر للتخفيف عنهم، وقد يشملني هذا التخفيف ضمناً، ولكن الله يعلم أن شخصي لم يكن في حسابي، وقد احتملت المسؤولية كاملة منذ أول كلمة وقلت:
إنه آن أن يقدم إنسان مسلم رأسه ثمناً لإعلان وجود حركة إسلامية وتنظيم غير مصرح به قام أصلاً على أساس أنه قاعدة لإقامة النظام الإسلامي، أياً كانت الوسائل التي سيستخدمها لذلك. وهذا في عرف القوانين الأرضية جريمة تستحق الإعدام!.
ويجب أن أبين في هذه المقدمة القصيرة أن تقديمي ذلك البيان الأول المجمل بهذا القصد هو واجبي كمسلم. فالأسير المسلم لا ينبغي له أن يدل على ما وراءه من جند الإسلام ولا يكشف مقاتل المسلمين وعوراتهم ما أمكنه.
وقد كنت أؤدي واجبي بمفهومي الإسلامي متعاملاً فيه مع الله بغض النظر عن نظرة القوانين والهيئات البشرية.
ولكني الآن وقد بينت أن هذا الشباب قد قرر كل تفاصيل أدواره الخاصة والعامة، وإنني أنا لا أدل عليهم بشيء، فقد ارتفع الحرج عن صدري في ذكر كل التفاصيل، مع محاولة ترتيبها ترتيباً زمنياً بقدر الإمكان. فإذا غاب بعضها عن ذاكرتي فيمكن السؤال عنها وتذكيري بها عن طريق أفوال مجموعة الشباب الخمسة أو غيرهم ممن ورد في أقوالهم شيء عنها. والترتيب الزمني التاريخي هو خير وسيلة تساعدني على التذكر.
ولابد أن أقول للسادة المشرفين على القضية إنني لا أستطيع أن أكتب إلا بطريقتي الخاصة .. طريقة الكاتب الذي زاول الكتابة أربعين سنة بأسلوب معين وطريقة معينة .. فبعض الوقائع لابد من التعليق عليها عند ذكرها وبيان أسبابها ودوافعها والظروف المحيطة بها، وبعضها يمكن ذكره مجرداً بلا تعليق ولا تعقيب. وهذا قد يضايقهم أحياناً لأنهم يريدون فقط سلسلة الحوادث والوقائع والأشخاص.
ولن أذكر على كل حال من التعليقات إلا ما أرى ضرورته وأهميته.
سرد تاريخي لنشاطي في حركة الإخوان المسلمين وبيان للحوادث
سأختصر في بياني هذا النشاط من وقت التحاقي بالجماعة سنة 1953 إلى سنة 1962 لأتوسع فيما بعد ذلك. إذ أن هذه الفترة الأولى ليس فيها – بالنسبة لي شيء ذو أهمية، أكثر من أنه تمهيد للفترة التالية. ثم إن أحداثها قد انتهى أمرها فيما عدا حادثاً واحداً شديد الأهمية، ولو ثبت فقد يغير وجه تاريخ العلاقات بين الدولة والإخوان المسلمين، ويغير وضع قضية 1954 وسأذكره في مناسبة في سياق التقرير.
لم أكن أعرف إلا القليل عن الإخوان المسلمين إلى أن سافرت إلى أمريكا في ربيع 1948 في بعثة لوزارة المعارف (كما كان اسمها في ذلك الحين) وقد قتل الشهيد حسن البنا وأنا هناك في عام 1949، ولقد لفت نظري بشدة ما أبدته الصحف الأمريكية. وكذلك الإنجليزية التي كانت تصل إلى أمريكا من اهتمام بالغ بالإخوان ومن شماتة وراحة واضحة في حل جماعتهم وضربها وفي قتل مرشدها، ومن حديث عن خطر هذه الجماعة على مصالح الغرب في المنطقة وعلى ثقافة الغرب وحضارته فيما، وصدرت كتب بهذا المعنى سنة 1950 أذكر منها كتاباً لجيمس هيوارث دن بعنوان: التيارات السياسية والدينية في مصر الحديثة.. كل هذا لفت نظري إلى أهمية هذه الجماعة عند الصهيونية والاستعمار الغربي .. فيا لوقت ذاته صدر لي كتاب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) سنة 1949 مصدراً بإهداء هذه الجملة: (إلى الفتية الذين ألمحهم في خيالي قادمين يردون هذا الدين جديداً كما بدأ، يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم .. الخ) ففهم الإخوان في مصر أنني أعنيهم بهذا الإهداء، ولم يكن الأمر كذلك، ولكنهم من جانبهم تبنوا الكتاب، واعتبروا صاحبه صديقاً، وبدأوا يهتمون بأمره، فلما عدت في نهاية عام 1950 بدأ بعض شبابهم يزورني ويتحدث معي عن الكتاب ولكن لم تكن لهم دار لأن الجماعة كانت لا تزال مصادرة. واستغرقت أنا عام 1951 في صراع شديد بالقلم والخطابة والاجتماعات ضد الأوضاع الملكية القائمة والإقطاع والرأسمالية وأصدرت كتابين في الموضوع غير مئات المقالات في صحف الحزب الوطني الجديد والحزب الاشتراكي ومجلة الدعوة التي أصدرها الأستاذ صالح عشماوي ومجلة الرسالة وكل جريدة أو مجلة قبلت أن تنشر لي، بلا انضمام لحزب أو جماعة معينة وظل الحال كذلك إلى أن قامت ثورة 23 يوليو سنة 1952.
ومرة أخرى استغرقت كذلك في العمل مع رجال ثورة 23 يوليو حتى فبراير سنة 1953 عندما بدأ تفكيري وتفكيرهم يفترق حول هيئة التحرير ومنهج تكوينها وحول مسائل أخرى جارية في ذلك الحين لا داعي لتفصيلها.. وفي الوقت نفسه كانت علاقاتي بجماعة الإخوان تتوثق باعتبارها في نظري حقلاً صالحاً للعمل للإسلام على نطاق واسع في المنطقة كلها بحركة إحياء وبعث شاملة، وهي الحركة التي ليس لها في نظري بديل يكافئها للوقوف في وجه المخططات الصهيونية والصليبية الاستعمارية التي كنت قد عرفت عنها الكثير وبخاصة في فترة وجودي في أمريكا.
وكانت نتيجة هذه الظروف مجتمعة انضمامي بالفعل سنة 1953 إلى جماعة الإخوان المسلمين.
ومع ترحيبهم – على وجه الإجمال- بانضمامي إلى جماعتهم إلا أن مجال العمل بالنسبة لي في نظرهم كان في الأمور الثقافية لقسم نشر الدعوة ودرس الثلاثاء والجريدة التي عملت رئيساً لتحريرها وكتابة بعض الرسائل الشهرية للثقافة الإسلامية .. أما الأعمال الحركية كلها فقد ظلت بعيداً عنها.
ثم كانت حوادث 1954 فاعتقلت مع من اعتقلوا في يناير وأفرج عنهم في مارس! ثم اعتقلت بعد حادث المنشية في 26 أكتوبر كذلك، واتهمت بأني في الجهاز السري ورئيس لقسم المنشورات به، ولم يكن شيء من هذا كله صحيحاً!.
وأرجو أن يلاحظ أنني لا أقصد تبرئة نفس من عمل سجنت من أجله عشر سنوات وانتهى أمره ولا قيمة لتبرئة نفسي منه الآن. وإنما هذا جانب منا لصورة التي لها دخل قوي في الوقائع الجديدة وهذه كل أهميتها .. وهنا يجئ ذكر الحادث الوحيد ذي الأهمية بالبالغة في حوادث 1954 الذي أشرت إليه وهو حادث المنشية وما يحيط به. وأرجو أن يفسح السادة المشرفون على قضية اليوم صدورهم لسماع كل التفصيلات والمقدمات التي أحاطت به وسبقته وعندي عنها علم أو استنتاج، وألا يعتبروها متعلقة بقضية تاريخية انتهى أمرها ولا داعي لضياع الوقت في الحديث عنها، فإن لها علاقة قوية جداً بالقضية الجديدة وبكل وقائعها وحوادثها ودوافعها.
في عام 1951 سافر الدكتور أحمد حسين وزير الشؤون الاجتماعية في وزارة الوفد إلى أمريكا، وعاد منها مستقيلاً من الوزارة، ورغم كل الترضيات التي قدمها له النحاس باشا فقد أصر على الاستقالة ثم أخذ بعدها في تكوين (جمعية الفلاح) وفي مقدمة أهدافها تحقيق العدالة الاجتماعية للفلاحين والعمال وبرنامج ضخم حول هذه الأهداف.. وهللت الصحافة الأمريكية للجمعية بصورة كشفت عن طبيعة العلاقة بين الجمعية والسياسة الأمريكية في المنطقة.. ووضعت الهالات الكبيرة حول الشاب الدكتور أحمد حسين وحرمه المتخرجة على ما أذكر من الجامعة الأمريكية – وانضم إلى هذه الجمعية رجال كثيرون برياسة الشاب الدكتور أحمد حسين مع أنهم أكبر منه شأنا ومقاماً في ذلك الحين، منهم الدكتور محمد صلاح الدين وزير خارجية وزارة الوفد والدكتور عبد الرزاق السنهوري وزير المعارف في وزارة السعديين ورئيس مجلس الدولة من قبل وأمثالهم.. وهي ظاهرة تلفت النظر. وكان الشيخ الباقوري ممن انضم إليها، المهم فيما يتعلق بالخلاف بين رجال الثورة والإخوان المسلمين. وكنت في ذلك الوقت ألاحظ نموه عن قرب، لأنني أعمل أكثر من اثنتي عشرة ساعة يومياً قريباً من رجال الثورة ومعهم ومع من يحيط بهم.. أقول المهم أن الأستاذ فؤاد جلال (توفي وكان وزيراً في أول وزارة برياسة الرئيس السابق محمد نجيب) كان من بين أعضاء جمعية الفلاح وكان وكيلاً للجمعية. وكنت ألاحظ في مناسبات كثيرة أنه يغذي الخلاف بين رجال الثورة والإخوان المسلمين، ويضخم المخاوف منهم. ويستغل ثقة الرئيس جمال عبد الناصر به، ويبث هذه الأفكار في مناسبات كثيرة لم يكن يخفيها عني لأنه كان يراني كذلك مقرباً من رجال الثورة وموضع ثقتهم مع ترشيحهم لي لبعض المناصب الكبيرة الهامة ومع تشاورنا كذلك على المفتوح في الأحوال الجارية إذ ذاك، مثل مسائل العمال والحركات الشيوعية التخريبية بينهم بل مثل مسألة الانتقال ومدتها والدستور الذي يصدر فيها .. الخ..
المهم أنني كنت أربط بين خطة الأستاذ فؤاد وجمعية الفلاح كمنظمة أمريكية الاتجاه والاتصال وبين إشعال الخلاف بين الثورة والإخوان، وقد حاولت في وقتها ما أمكن منع التصادم الذي كنت المح بوادره، ولكني عجزت، وتغلب الاتجاه الآخر في النهاية.
ولكن ما علاقة هذه المقدمة الطويلة بحادث المنشية؟ والقضية الجديدة؟ منذ أن وقع هذا الحادث وأنا أشك في تدبيره لم أكن أعلم شيئاً يقينياً عن ذلك. ولكن كل الظروف المحيطة كانت تجعلني أشك في أنه ليس طبيعياً. كان شيء ما يلح على تفكيري في أنه مدبر لتكملة الخطة التي تنتهي بالتصادم الضخم بين الثورة والإخوان تحقيقاً لأهداف أجنبية .. ارجح من استقراء الأحوال ومن خطة الأستاذ فؤاد جلال وكيل جمعية الفلاح أنها أمريكية!
وعندما كان السيد صلاح دسوقي يستجوبني هنا في السجن الحربي عام 1954 صارحته برأيي في تدبير الحادث.. وقد انتفض وقتها بشدة وهو يقول لي: هل أنت كذلك بكل ثقافتك من الذين يقولون أنها تمثيلية؟ وقلت له: أنا لا أقول أنها تمثيلية ولكني أقول أنها مدبرة لهدف معين وأن أصبعا أجنبياً ذات دخل فيها.. قال لي وقتها وقد هدأ اضطرابه: جايز! ولكن واحداً من الإخوان المسلمين هو الذي قام بالحادث! ثم أعود لسرد الأحداث المتعلقة بنشاطي بعد عام 1954 أن شعوري وتقديري بأن حادث المنشية مدبر تدبيراً، جعل يملأ نفسي رغبة في معرفة الحقيقة غير أنني لم أجد أحداً ممن التقيت بهم في سجن طره عام 1955 وكانوا كثيرين قبل ترحيلهم إلى الواحات يدلني على هذه الحقيقة .. كل من سألتهم ومنهم ناس ==============================================